الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.فَصْلٌ: [مَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِهِ وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنْ آخرَ أَعْتَقَهُ]: (وَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنْ زَيْدًا أَعْتَقَهُ) وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً؛ صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ (أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ زَيْدًا بَاعَهُ) أَيْ: الْعَبْدَ لَهُ (أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَهُ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً) بِدَعْوَاهُ (صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ) لِمُصَادَفَةِ التَّصَرُّفِ الثَّانِي مِلْكَ غَيْرِهِ، فَوَجَبَ بُطْلَانُهُ، (وَإِلَّا) يُعْلَمْ التَّارِيخُ، أَوْ اتَّفَقَ (تَسَاقَطَتَا) لِتَعَارُضِهِمَا وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ أَسْبَقِ التَّصَرُّفَيْنِ (بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ) مَنْ شَهِدَ بِالسَّبْقِ بَاعَهُ الْعَبْدَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ (وَهُوَ مِلْكُهُ) وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ، فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ، وَعُلِمَ السَّابِقُ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مِلْكُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالسَّبْقِ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي الثَّانِي وَقْتَ انْتِقَالِهِ لِلْأَوَّلِ. بَقِيَ لَوْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا، وَزَادَ كُلٌّ وَهُوَ مِلْكُهُ، فَهَلْ يَتَنَاصَفَاهُ كَمَا ذَكَرُوا فِي الْعَيْنِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمَا أَمْ هَذَا الْحُكْمُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ وَإِلَّا تَسَاقَطَتَا؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ مَعَ تَسَاقُطِ) الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ (يُقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ دَعْوَاهُ) الْعَبْدَ (لِنَفْسِهِ) بِيَمِينِهِ، فَيَحْلِفُ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ (وَيَأْخُذُهُ كَمَا يَأْتِي) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ نَفْسِهِ) نَصًّا إلْغَاءً لِهَذِهِ الْيَدِ لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنَدِهَا، وَهُوَ الدَّعْوَى، وَلَمْ تَثْبُتْ كَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ، فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَذِهِ الْيَدِ. (وَلَوْ ادَّعَيَا)؛ أَيْ: اثْنَانِ (زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ) فَأَنْكَرَتْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ (وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا) الْبَيِّنَةَ بِدَعْوَاهُ (وَلَوْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: الْمُدَّعِيَيْنِ؛ (سَقَطَتَا)؛ أَيْ: الْبَيِّنَتَانِ؛ لِتَعَارُضِهِمَا، وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى الْحُرِّ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا؛ لَمْ يُقْبَلْ، لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ وَحْدَهُ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ ادَّعَاهَا وَاحِدٌ فَصَدَّقَتْهُ؛ قُبِلَ إقْرَارُهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ (إذَنْ، وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِمَّنْ الْعَيْنُ بِيَدَيْهِمَا بَيِّنَةً بِشِرَائِهَا مِنْ زَيْدٍ بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ)؛ أَيْ: الْعَيْنُ (مِلْكُهُ بِكَذَا، وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا)؛ أَيْ: الْبَيِّنَتَيْنِ (تَحَالَفَا، وَتَنَاصَفَاهَا) لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا دَاخِلَةٌ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ خَارِجَةٌ فِي الْآخَرِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى زَيْدٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ سِوَى نِصْفِ الْمَبِيعِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا (أَنْ يَفْسَخَ) الْبَيْعَ؛ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَيَرْجِعَ) مَنْ فَسَخَ مِنْهُمَا (بِكُلِّهِ)؛ أَيْ: الثَّمَنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا (أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا)؛ أَيْ: الْعَيْنَ بِكُلِّ الثَّمَنِ (مَعَ فَسْخِ الْآخَرِ) لِبَيْعٍ فِي نِصْفِهِ (وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ) بَيِّنَةِ (أَحَدِهِمَا، فَهِيَ)؛ أَيْ: الْعَيْنُ (لَهُ) لِصِحَّةِ عَقْدِهِ بِسَبْقِهِ (وَلِلثَّانِي) عَلَى بَائِعِهِ (الثَّمَنُ) إنْ كَانَ قَبَضَهُ مِنْهُ؛ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ بَيْعِهِ (وَإِنْ أَطْلَقَتَا)؛ أَيْ: بَيِّنَتَاهُمَا، أَوْ أَطْلَقَتْ (إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا فِي مِلْكٍ إذَنْ لَا فِي شِرَاءٍ) لِجَوَازِ تَعَدُّدِهِ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ (فَيُقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ) الْبَائِعِ لَهُمَا (دَعْوَاهَا لِنَفْسِهِ بِيَمِينٍ) وَاحِدَةٍ (لَهُمَا) أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. (وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ ثَمَنَ عَيْنٍ بِيَدِ ثَالِثٍ، كُلٌّ مِنْهُمَا) يَقُولُ (إنَّهُ)؛ أَيْ: وَاضِعَ الْيَدِ (اشْتَرَاهَا كُلَّهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ) فِي دَعْوَاهُ (فَمَنْ صَدَّقَهُ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ مِنْهُمَا؛ أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ (أَوْ مَنْ أَقَامَ) مِنْهُمَا (بَيِّنَةً) بِدَعْوَاهُ (أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الثَّمَنِ) وَإِلَّا يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَا أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً (حَلَفَ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا؛ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعَقْدِ (وَبَرِئَ وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ) دَعْوَاهُمَا (فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا) أَيْ: الْبَيِّنَتَيْنِ (تَعَارَضَتَا، وَتَسَاقَطَتَا) لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ) تَارِيخُهُمَا (أَوْ أَطْلَقَتَا) بِأَنْ شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا، وَلَمْ تَذْكُرْ تَارِيخًا، أَوْ أَطْلَقَتْ (إحْدَاهُمَا) بِأَنْ قَالَتْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِكَذَا فَقَطْ، وَأَرَّخَتْ الْأُخْرَى (عُمِلَ بِهِمَا)؛ أَيْ: الْبَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا عَقْدَانِ شَهِدَ بِهِمَا بَيِّنَتَانِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مُشْتَرٍ وَاحِدٍ، وَعَقْدُ الشِّرَاءِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً إلَى الثَّانِي، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي، فَلَا تَعَارُضَ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ الْمُدَّعَى بِهِمَا. وَإِنْ كَانَتْ عَيْنٌ بِيَدِ إنْسَانٍ فَادَّعَاهَا اثْنَانِ (فَقَالَ أَحَدُهُمَا: غَصَبَنِيهَا، وَقَالَ الْآخَرُ مَلَّكَنِيهَا أَوْ أَقَرَّ لِي بِهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) أَيْ: أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ (فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ) لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَهُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَشْهَدُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا، فَلَا تُعَارِضُهَا (وَلَا يَغْرَمُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْآخَرِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ مَلَّكَهُ الْعَيْنَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا (شَيْئًا) لِعَدَمِ مُقْتَضِيهِ، إذْ بُطْلَانُ التَّمْلِيكِ أَوْ الْإِقْرَارُ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ غَصَبَنِيهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، فَكَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عَلَى مَا سَبَقَ. (وَإِنْ ادَّعَى) رَبُّ دَارٍ عَلَى آخَرَ (أَنَّهُ أَجَرَهُ الْبَيْتَ)، أَيْ: بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ (بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: بَلْ) أَجَرْتنِي (كُلَّ الدَّارِ) بِعَشَرَةٍ (وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) شَهِدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ أَقَامَهَا بِدَعْوَاهُ (تَعَارَضَتَا وَلَا قِسْمَةَ هُنَا)؛ أَيْ: لَا يَقْسِمَانِ بَقِيَّةَ مَنْفَعَةِ الدَّارِ.قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُؤْجِرِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إجَارَةَ غَيْرِ الْبَيْتِ. وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ ثَوْبَيْنِ أَحَدَهُمَا بِعَشْرَةٍ وَالْآخَرَ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا ثَوْبُ هَذَا مِنْ ثَوْبِ هَذَا، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْأَجْوَدَ أَنَّهُ لَهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ: حَلَفَ، وَأَخَذَ الثَّوْبَ الْجَيِّدَ وَالْآخَرُ لِلْآخَرِ، أَيْ: لِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا عَيْنًا بِيَدِ غَيْرِهِمَا..بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ: (وَهُوَ التَّعَادُلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) يُقَالُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ إذَا تَقَابَلَتْ؛ أَيْ: أَثْبَتَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا نَفَتْهُ الْأُخْرَى؛ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ فَتَسْقُطَانِ؛ وَعَارَضَ زَيْدٌ عَمْرًا إذَا أَتَاهُ بِمِثْلِ مَا أَتَاهُ بِهِ. (مَنْ قَالَ لِقِنِّهِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مَتَى قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى قِنِّهِ) بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (قَتْلَهُ)؛ أَيْ: أَنَّهُ مَاتَ قَتِيلًا (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ (وَتُقَدَّمُ) بَيِّنَةُ قِنٍّ بِقَتْلِهِ (عَلَى بَيِّنَةِ وَارِثٍ) بِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ لِأَنَّ مَعَ الْأُولَى زِيَادَةَ عِلْمٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَلِقِنٍّ تَحْلِيفُ وَارِثٍ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. (وَإِنْ) قَالَ سَيِّدُ عَبْدَيْنِ فَأَكْثَرَ إنْ (مِتّ فِي مُحَرَّمٍ فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ مِتّ فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ حُرٌّ) ثُمَّ مَاتَ (وَأَقَامَ كُلٌّ) مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ (بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ؛ تَسَاقَطَتَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الْأُخْرَى (وَرَقَّا) لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِي غَيْرِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ (كَمَا لَوْ لَمْ تَتِمَّ بَيِّنَةٌ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَجُهِلَ وَقْتُ مَوْتِهِ) فَيَرِقَّانِ لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فِي أَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: الشَّهْرَيْنِ (وَجُهِلَ) أَهُوَ الْمُحَرَّمُ أَوْ صَفَرٌ (أُقْرِعَ) بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، عَتَقَ، وَرَقَّ الْآخَرُ. وَإِنْ قَالَ (إنْ مِتّ فِي مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ مِنْهُ فَغَانِمٌ حُرٌّ) ثُمَّ مَاتَ (وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ)؛ أَيْ: أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ (تَسَاقَطَتَا) أَيْ: بَيِّنَتَاهُمَا (وَرَقَّا) لِنَفْيِ كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا؛ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ ومَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ. صَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَإِنْ جُهِلَ مِمَّ- مَاتَ وَلَا بَيِّنَةَ)- أُقْرِعَ- بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ؛ فَعَتَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. (وَكَذَا إنْ أَتَى بِمَنْ بَدَّلَ فِيهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ مِنْهُ فَغَانِمٌ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ بَيِّنَةً (فِي التَّعَارُضِ) أَيْ: فَإِنَّهُ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَسَاقُطِهِمَا، وَكَوْنِهِمَا يَبْقَيَانِ عَلَى الرِّقِّ، أَوْ يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ (وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْجَهْلِ- وَلَا بَيِّنَةَ ثَمَّ)- فَيَعْتِقُ سَالِمٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الْمَرَضِ وَ(عَدَمُ الْبُرْءِ). (وَإِنْ شَهِدَتْ) عَلَى مَيِّتٍ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَ(شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أُخْرَى) أَنَّهُ وَصَّى (بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ (ثُلُثُ مَالِهِ)؛ أَيْ: الْمُوصِي (وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) عِتْقَهُمَا (عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ) لِثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ فَكَذَا الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى فِيهِمَا، فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ؛ عَتَقَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ كَمَا لَوْ أَعْتَقُوهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ. (وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ وَارِثَةً فَاسِقَةً) وَلَمْ تُكَذِّبْ الْأَجْنَبِيَّةُ (عَتَقَ سَالِمٌ) بِلَا قُرْعَةٍ، لِأَنَّ بَيِّنَةَ غَانِمٍ الْفَاسِقَةَ لَا تُعَارِضُهَا (وَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِقُرْعَةٍ) بِأَنْ يَكْتُبَ بِرُقْعَةٍ يَعْتِقُ وَبِأُخْرَى لَا يَعْتِقُ، وَيَتَدَرَّجُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِبُنْدُقَةٍ مِنْ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى، وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ رُقْعَةُ الْعِتْقِ؛ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْوَارِثَةَ مُقِرَّةٌ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ أَيْضًا. (وَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ (عَادِلَةً وَكَذَّبَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْأَجْنَبِيَّةُ؛ عُمِلَ بِشَهَادَتِهَا) لِعَدَالَتِهَا (وَلَغَا تَكْذِيبُهَا) الْأَجْنَبِيَّةَ (فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ) فَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ أَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ سِوَاهُ وَيَقِفُ عِتْقُ سَالِمٍ عَلَى الْقُرْعَةِ. (وَلَوْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ (فَاسِقَةً، وَكَذَّبَتْ) الْعَادِلَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ (أَوْ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ عَتَقَا) أَمَّا سَالِمٌ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُ غَانِمٍ، وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَارِثَةِ بِعِتْقِهِ وَحْدَهُ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهَا بِالرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ كَذَّبَتْ الْأُخْرَى. (وَلَوْ شَهِدَتْ) الْوَارِثَةُ (بِرُجُوعِهِ) عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ (وَلَا فِسْقَ بِهَا وَلَا تَكْذِيبَ) مِنْهَا لِبَيِّنَةِ سَالِمٍ (عَتَقَ غَانِمٌ) وَحْدَهُ (كـَ) شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ (أَجْنَبِيَّةٍ) لِثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ بِلَا تُهْمَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا، وَأَمَّا جَرُّهَا وَلَاءَ غَانِمٍ فَيُعَادِلُهُ إسْقَاطُ وَلَاءِ سَالِمٍ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ سَبَبِ الْإِرْثِ، وَمِثْلُهُ لَا تَرِدُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِأَخِيهِ بِالْمَالِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرِثَهُ، (فَلَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْوَارِثَةُ الْعَادِلَةُ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ (غَانِمٌ) قِيمَتُهُ (سُدُسُ مَالِهِ؛ عَتَقَا)؛ أَيْ: سَالِمٌ وَغَانِمٌ (وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهَا) بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِدَفْعِ السُّدُسِ الْآخَرِ عَنْهَا (وَخَبَرُ وَارِثَةٍ عَادِلَةٍ كَ) شَهَادَةِ وَارِثَةٍ (فَاسِقَةٍ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْفَاسِقُ. (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعِتْقِ سَالِمٍ فِي مَرَضِهِ وَ) شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ (أُخْرَى بِعِتْقِ غَانِمٍ فِيهِ؛ عَتَقَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا تَارِيخًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ الْمُنَجَّزَةَ يُبْدَأُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ (فَإِنْ جُهِلَ) التَّارِيخُ بِأَنْ أَطْلَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا (فَأَحَدُهُمَا) يَعْتِقُ (بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْتَقَهُمَا مَعًا؛ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. أَوْ يَكُونُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَأَشْكَلَ، فَيَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ كَنَظَائِرِهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْعَبْدَيْنِ وَارِثَةً، وَلَمْ تُكَذِّبْ الْأَجْنَبِيَّةُ، فَيَعْتِقُ السَّابِقُ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ. (فَإِنْ سَبَقَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْأَجْنَبِيَّةُ) تَارِيخًا بِأَنْ قَالَتْ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي أَوَّلِ يَوْمِ الْمُحَرَّمِ، وَأَعْتَقَ غَانِمًا فِي ثَانِيهِ (فَكَذَّبَتْهَا الْوَارِثَةُ) بِأَنْ قَالَتْ مَا أَعْتَقَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ إلَّا غَانِمًا عَتَقَ الْعَبْدَانِ، أَمَّا سَالِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ السَّابِقُ، وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ لِسَبْقِ عِتْقِهِ. (أَوْ سَبَقَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْوَارِثَةُ) الْبَيِّنَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ (وَهِيَ)؛ أَيْ: الْوَارِثَةُ (فَاسِقَةٌ؛ عَتَقَا) أَمَّا غَانِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِسَبْقِ عِتْقِهِ، وَأَمَّا سَالِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَحْدَهُ. (وَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) أَيْ: الْعَبْدَيْنِ، عَتَقَا، بِأَنْ اتَّفَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَسْبَقَهُمَا عِتْقًا (عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ جَادَّةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي ثُبُوتٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ فِيهِمَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ. (وَإِنْ قَالَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْوَارِثَةُ مَا أَعْتَقَ إلَّا غَانِمًا) طَعْنًا فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ (عَتَقَ غَانِمٌ كُلُّهُ) لِإِقْرَارِ الْوَارِثَةِ بِعِتْقِهِ (وَيَعْتِقُ سَالِمٌ إنْ) تَقَدَّمَ تَارِيخُ (عِتْقِهِ أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ) لِعَدَمِ قَبُولِ طَعْنِ الْوَارِثَةِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ؛ مُثْبِتَةٌ، وَالْوَارِثَةَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي (وَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً، وَلَمْ تَطْعَنْ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ، عَتَقَ) سَالِمٌ (كُلُّهُ) لِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِعِتْقِهِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهَا (وَيُنْظَرُ فِي غَانِمٍ فَمَعَ) سَبْقِ تَارِيخِ (عِتْقِهِ أَوْ مَعَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ) لِإِقْرَارِ الْوَارِثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ دُونَ غَيْرِهِ (وَمَعَ تَأَخُّرِهِ)، أَيْ: عِتْقِ غَانِمٍ (أَوْ خُرُوجِهَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ (لِسَالِمٍ؛ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ)؛ أَيْ: غَانِمٍ (شَيْءٌ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَوْ كَانَتْ عَادِلَةً لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ، إذَنْ شَيْءٌ فَأَوْلَى إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً (وَإِنْ كَذَّبَتْ) الْوَارِثَةُ (بَيِّنَةَ سَالِمٍ) الْأَجْنَبِيَّةَ (عَتَقَا) لِأَنَّ سَالِمًا مَشْهُودٌ بِعِتْقِهِ، وَغَانِمًا مُقَرٌّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ سِوَاهُ (وَتَدْبِيرُ رَقِيقٍ مَعَ تَنْجِيزٍ) عَتَقَ آخِرٌ بِمَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (كَآخِرِ تَنْجِيزَيْنِ مَعَ أَسْبَقِهِمَا) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ؛ فَوَجَبَ تَأَخُّرُهُ عَنْ الْمُنَجَّزِ فِي الْحَيَاةِ (فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي مَرَضِهِ) وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى (أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ أَوْ دَبَّرَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ أَيْ: مِنْ الْعَبْدَيْنِ (ثُلُثُ الْمَالِ؛ عَتَقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ) لِسَبْقِ الْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ؛ فَإِنَّهُ كَالْعَطِيَّةِ يَلْزَمُ مِنْ حِينِهِ..فَصْلٌ: [مَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ]: (وَمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، فَادَّعَى كُلٌّ) مِنْ الِابْنَيْنِ (أَنَّهُ)؛ أَيْ: أَبَاهُ (مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُهُ) مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ؛ (فـَ) يُقْبَلُ (قَوْلُ مُدَّعِيهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ وَإِلَّا يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ (فَإِرْثُهُ لِلْكَافِرِ إنْ اعْتَرَفَ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ، أَوْ ثَبَتَ) أُخُوَّتُهُ لَهُ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِاعْتِرَافِهِ بِكُفْرِ أَبِيهِ فِيمَا مَضَى وَادِّعَائِهِ إسْلَامَهُ؛ فَجَعَلَ أَصْلَ دِينِهِ الْكُفْرَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) يَعْتَرِفْ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ وَلَا تَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ؛ (فـَ) مِيرَاثُهُ (بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ وَالدَّعْوَى، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِأَيْدِيهِمَا (وَإِنْ جُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ؛ تَسَاقَطَتَا) وَتَنَاصَفَا التَّرِكَةَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ. (وَإِنْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ نَعْرِفُهُ مُسْلِمًا وَ) قَالَتْ بَيِّنَةٌ (أُخْرَى نَعْرِفُهُ كَافِرًا، وَلَمْ تُؤَرِّخَا)؛ أَيْ: كُلٌّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعْرِفَتَهُمَا لَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُودِ بِهِ (وَجُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ،) (فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِ) لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ، إذْ الْإِسْلَامُ يَطْرَأُ عَلَى الْكُفْرِ، وَعَكْسُهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ (وَتُقَدَّمُ) الْبَيِّنَةُ (النَّاقِلَةُ إذَا عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ فِيهِنَّ)، أَيْ: فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ، لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا لَمْ تُعْلِمْهُ الْأُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ. (وَلَوْ شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (أُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، تَسَاقَطَتَا) سَوَاءٌ (عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا) لِأَنَّهُمَا أَرَّخَتَا وَقْتًا وَاحِدًا هُوَ سَاعَةُ مَوْتِهِ، فَتَعَارَضَتَا (وَكَذَا) أَيْ: كَمَنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (إنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ خَلَّفَ أَخًا وَزَوْجَةً مُسْلِمَيْنِ وَابْنًا كَافِرًا) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ ثُبُوتِ دَعْوَاهُمْ وَرَثَةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُمْ وَدَعْوَى الِابْنِ.قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّ الْمُسْلِمَ إنْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ، حُكِمَ بِهِ لِلْكَافِرِ، فَلَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ وَالْأَخُ الْمُسْلِمَانِ بِكَوْنِ الْكَافِرِ ابْنًا لِلْمَيِّتِ، لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ فَبَقَاؤُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِهِ لِلْكَافِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُدْفَنُ وَحْدَهُ (وَمَتَى نَصَّفْنَا الْمَالَ) الْمُخَلَّفَ عَنْ الْمُخْتَلَفِ فِي دِينِهِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي (فَنِصْفُهُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ) لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ، وَبَاقِيهِ لِلْأَبِ، وَلِلِابْنَيْنِ نِصْفُهُ، وَمَتَى نَصَّفْنَاهُ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ (فَنِصْفُهُ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَخِ عَلَى أَرْبَعَةٍ) رُبُعُهُ لِلزَّوْجَةِ وَبَاقِيهِ لِلْأَخِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ، وَادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَى مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ، أَوْ) ادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ (عَلَى قَسْمِ تَرِكَتِهِ)، أَيْ: قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ (قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُ (بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ (أَوْ تَصْدِيقِ وَارِثٍ) مَعَهُ أَوْ نُكُولِهِ لَدَعْوَاهُ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى كُفْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ كَانَ كَافِرًا (أَسْلَمْت فِي مُحَرَّمٍ وَمَاتَ) مُوَرِّثٌ (فِي صَفَرٍ، وَقَالَ الْوَارِثُ) غَيْرُهُ (مَاتَ) مُوَرِّثُنَا (قَبْلَ مُحَرَّمٍ، وَرِثَ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَوْتِ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي تَأَخُّرِ الْمَوْتِ. (وَلَوْ خَلَّفَ حُرٌّ ابْنًا حُرًّا وَابْنًا) كَانَ (قِنًّا، فَادَّعَى) الَّذِي كَانَ قِنًّا (أَنَّهُ عَتَقَ وَأَبُوهُ حَيٌّ، وَلَا بَيِّنَةَ) لَهُ بِدَعْوَاهُ (صُدِّقَ أَخُوهُ فِي عَدَمِ ذَلِكَ)؛ أَيْ: الْعِتْقِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ. (وَإِنْ ثَبَتَ عِتْقُهُ بِرَمَضَانَ، فَقَالَ الْحُرُّ: مَاتَ أَبِي بِشَعْبَانَ، وَقَالَ الْعَتِيقُ بِشَوَّالٍ، صُدِّقَ الْعَتِيقُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ إلَى شَوَّالٍ (وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّ مَعَ التَّعَارُضِ) بِأَنْ أَقَامَ الْعَتِيقُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِشَوَّالٍ، وَأَقَامَ الْحُرُّ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِشَعْبَانَ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَةِ الْحُرِّ زِيَادَةَ عِلْمٍ. (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلٍ، فَشَهِدَا)؛ أَيْ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا (عَلَى الْأَوَّلَيْنِ) الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا بِهِ؛ أَيْ: الْقَتْلِ (فَصَدَّقَ الْوَلِيُّ)؛ أَيْ: مُسْتَحِقُّ الدَّمِ الشَّاهِدَيْنِ (الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا (حُكِمَ لَهُ بِهِمَا)؛ أَيْ: بِالشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، لِرُجْحَانِهِمَا بِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ لَهُ (وَإِنْ صَدَّقَ الْآخَرَيْنِ، أَوْ) صَدَّقَ (الْكُلَّ أَوْ كَذَّبَ الْكُلَّ) أَوْ كَذَّبَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا؛ لِاتِّهَامِهِمَا بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِذَلِكَ، وَتَصْدِيقُ الْوَلِيِّ لَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ بِأَنْ قَالَ: قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا الْقَتْلَ بِالشَّهَادَةِ؛ فَلَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ. (وَإِنْ شَهِدَتْ بِتَلَفِ ثَوْبٍ وَقَالَتْ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ) وَشَهِدَتْ (أُخْرَى) أَنْ قِيمَتَهُ (ثَلَاثُونَ؛ ثَبَتَ الْأَقَلُّ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ دُونَ الزَّائِدِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ بِكُلِّ قِيمَةٍ شَاهِدٌ) وَاحِدٌ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ (الْآخَرِ عَلَى الْعَشَرَةِ) الْبَاقِيَةِ وَالْعَيْنُ (الْقَائِمَةُ كَعَيْنٍ لِيَتِيمٍ يُرِيدُ الْوَصِيُّ بَيْعَهَا، أَوْ يُرِيدُ إجَارَتَهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهَا) عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِي (أَجْرِ مِثْلِهَا) عِنْدَ إرَادَتِهِ إجَارَتَهَا (أُخِذَ)؛ أَيْ: عُمِلَ (بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ) مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ (فَإِذَا اُحْتُمِلَ) مَا شَهِدَتْ بِهِ (أُخِذَ بِبَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَجَّرَ حِصَّةَ مُوَلِّيهِ)؛ أَيْ: مَحْجُورِهِ (بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَوْ) شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ أَجَّرَهَا (بِنِصْفِهَا)؛ أَيْ: نِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا؛ فَيُؤْخَذُ بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ، فَإِنْ اُحْتُمِلَ فَبَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ..كِتَابُ الشَّهَادَاتِ: (وَاحِدُهَا شَهَادَةٌ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِإِخْبَارِ الشَّاهِدِ عَمَّا شَاهَدَهُ، يُقَالُ: شَهِدَ الشَّيْءَ إذَا رَآهُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَحْضَرِ النَّاسِ مَشْهَدٌ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ مَا يَحْضُرُونَهُ وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} أَيْ: عَلِمَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إخْبَارِ مَنْ رَآهُ وَنَحْوِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} الْآيَةَ وَقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وَحَدِيثِ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ». وَتَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ.قَالَ شُرَيْحٌ: الْقَضَاءُ جَمْرٌ فَنَحِّهِ عَنْك بِعُودَيْنِ يَعْنِي الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ دَاءٌ، وَالشُّهُودُ شِفَاءٌ، فَأَفْرِغْ الشِّفَاءَ عَلَى الدَّاءِ. وَهِيَ؛ أَيْ: الشَّهَادَةُ (حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (تُظْهِرُ الْحَقَّ) الْمُدَّعَى بِهِ؛ أَيْ: تُبَيِّنُهُ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً (وَلَا تُوجِبُهُ)؛ أَيْ: الْحَقَّ، بَلْ الْحَاكِمُ يُلْزِمُ بِهِ بِشَرْطِهِ. (فَهِيَ) أَيْ: الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ (الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ) الشَّاهِدُ (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) كَشَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ وَيَأْتِي. (تَحَمُّلُ) الشَّهَادَةِ عَلَى (الْمَشْهُودِ بِهِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) مَالًا كَانَ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ كَحَدِّ قَذْفٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي يَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِ وَقَدْ يُعَيَّنُ التَّحَمُّلُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَكْفِي فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا}.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: الْمُرَادُ بِهِ التَّحَمُّلُ لِلشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى امْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ تَحَمُّلِهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ. (وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَعَلَى الْأَدَاءِ) فَيَكُونُ الْأَدَاءُ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ، قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ، وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}، خَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ بِهَا. (وَيَجِبَانِ)؛ أَيْ: التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ (عَلَى الْعَدْلِ إذَا دُعِيَ إلَيْهَا)؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يُخَافُ تَعَدِّيهِ، نَقَلَ مُهَنَّا أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ (وَقَدَرَ) عَلَى التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي أَهْلٍ وَمَالٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ عِرْضٍ) فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْف أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا لَا يَشْهَدُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ، وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ، فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا شُرْطِيًّا». (وَيَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ) لِأَنَّ السَّمَاعَ بِغَيْرِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ) الشَّهَادَةَ (وَقَالَ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ (احْلِفْ بَدَلِي؛ أَثِمَ) اتِّفَاقًا، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ (وَلَا يُقِيمُهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُهُ بِهِ. (وَمَتَى وَجَبَتْ الشَّهَادَةُ وَجَبَتْ كِتَابَتُهَا) عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَنْسَاهَا. (وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ لِتَحَمُّلِهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ) إذْ التَّحَمُّلُ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا، قُبِلَتْ (وَلَا يَحْرُمُ أَدَاؤُهُ)؛ أَيْ: الْفَاسِقِ الشَّهَادَةَ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِسْقُهُ ظَاهِرًا) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ. (وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى شَهَادَةٍ (وَأَخْذُ جُعْلٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَنْ قَامَ بِهِ فَقَدْ قَامَ بِفَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَلَا الْجَعْلِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ (لَكِنْ إنْ عَجَزَ) الشَّاهِدُ عَنْ الْمَشْيِ إلَى مَحَلِّهَا (أَوْ تَأَذَّى بِهِ)؛ أَيْ: الْمَشْيِ (فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ مَرْكُوبٍ) مِنْ رَبِّ الشَّهَادَةِ (وَفِي الرِّعَايَةِ ) فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ وَالنَّفَقَةُ عَلَى رَبِّهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ خَفْرٍ، وَقَالَ أَيْضًا (وَكَذَا مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَحَافِظِ بَيْتِ الْمَالِ (وَمُحْتَسِبٍ) وَالْخَلِيفَةِ انْتَهَى، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمُفْتِي تَفْصِيلٌ.(وَ) يُبَاحُ (لِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَزِنًا وَشُرْبٍ (إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا) لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالسَّتْرُ مَأْمُورٌ بِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ». وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ وَشُدِّدَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ مَا لَمْ يُشَدَّدْ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ طَلَبًا لِلسَّتْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ تَرْكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ، وَيُتَوَجَّهُ لِمَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ. (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ) أَيْ: الشُّهُودِ (بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ) بِحَدِّ اللَّهِ لِيَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا، وَجَاءَ زِيَادٌ لِيَشْهَدَ، عَرَّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَقَالَ مَا عِنْدَك يَا سَلْحَ الْعُقَابِ، وَصَاحَ بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَقَالَ: رَأَيْتُ أَمْرًا قَبِيحًا فَرِحَ عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلسَّارِقِ: «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» مَرَّتَيْنِ. وَأَعْرَضَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا. (وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (بِحَدٍّ قَدِيمٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ؛ فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ حِينَهَا، وَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (وَمَنْ قَالَ) لِرَجُلَيْنِ (اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي؛ لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ؛ جَازَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ. (وَمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) رَبُّ الشَّهَادَةِ إقَامَتَهَا؛ لِحَدِيثِ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِرِضَاهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِلَّا يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا (اُسْتُحِبَّ) لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ (إعْلَامُهُ) قَبْلَ إقَامَتِهَا، وَلَهُ إقَامَتُهَا قَبْلَ إعْلَامِهِ. (وَفِي الْإِنْصَافِ وَيَجِبُ) عَلَيْهِ إعْلَامُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ طَلَبٍ قَامَ بِالْوَاجِبِ، وَكَانَ أَفْضَلَ كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ انْتَهَى.(وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ آدَمِيٍّ لَا يَعْلَمُهَا (كَتْمُهَا) لِلْآيَةِ (فَيُقِيمُهَا) أَيْ: الشَّهَادَةَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ) مِنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَقْدَحُ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِلَا طَلَبِ حَاكِمٍ وَبِلَا طَلَبِ مَشْهُودٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فِيهِ كَشَهَادَةِ حِسْبَةٍ) بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى. (وَيَجِبُ إشْهَادُ) اثْنَيْنِ (عَلَى نِكَاحٍ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا، وَتَقَدَّمَ. (وَيُسَنُّ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ عَقْدٍ سَوَاءٌ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةِ صُلْحٍ وَغَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلِيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}. (وَيَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا: وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِيقَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشَّهَادَةِ قَالَ: تَرَى الشَّمْسَ؟ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ، وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَةُ يَكُونُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمْعٍ غَالِبًا لِجَوَازِهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ) كَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ (قَلِيلًا) كَدَعْوَى مُشْتَرِي مَأْكُولٍ عَيْبَهُ لِمَرَارَتِهِ وَنَحْوِهَا فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ (وَيَشْهَدُ بِدَيْنٍ) مَنْ رَأَى شَخْصًا اقْتَرَضَهُ مِنْ آخَرَ، أَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ بِهِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْمَدِينِ لَهُ، وَيَشْهَدُ (بِثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَأُجْرَةِ) عَيْنٍ اُسْتُؤْجِرَتْ، وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَيَشْهَدُ (بِعَقْدٍ) جَرَى بِعِلْمِهِ (بِالِاسْتِصْحَابِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ دَفْعُهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ، (وَالْإِقَالَةِ) مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ فَالْمُعْتَبَرُ الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ، لَا فِي دَوَامِهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ. (وَيُجْزِئُ عَنْ اسْمِ وَنَسَبِ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (حَاضِرٍ) بِالْمَجْلِسِ (الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) فَقَطْ لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ (كَعَكْسِهِ)، أَيْ: كَمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ يُعَرِّفُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِذِكْرِهِمَا مَعَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، مِثَالُ الشَّهَادَةِ بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ (أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا كَذَا) دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا. (وَإِنْ كَانَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (غَائِبًا) وَجَهِلَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؛ فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَعْرِفَ اسْمَهُ، فَإِنْ (عَرَّفَهُ)؛ أَيْ: الشَّاهِدَ (بِهِ)؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (مَنْ يَسْكُنُ)؛ أَيْ: يُطَمْئِنُ الشَّاهِدُ (إلَيْهِ- وَلَوْ وَاحِدًا- جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَهَا؛ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ غَيْبَتِهَا) لِلْجَهَالَةِ بِهَا وَبِمَا يُعَرِّفُهَا بِهِ لِلْحَاكِمِ. (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ) حَتَّى يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَهَا، فَأَمَّا مَنْ تَيَقَّنَ مَعْرِفَتَهَا، وَعَرَفَ صَوْتَهَا يَقِينًا؛ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا؛ لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ (إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِعِصْمَتِهَا (وَهَذَا)؛ أَيْ: نَصُّ الْإِمَامِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ (لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَيْتَهَا إلَّا بِإِذْنِهِ)؛ أَيْ: زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ حَقُّهُ، فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. (وَمَنْ شَهِدَ بِإِقْرَارٍ بِحَقٍّ لَمْ يُعْتَبَرْ) لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ (ذِكْرُ سَبَبِهِ)؛ أَيْ: الْحَقِّ أَوْ الْإِقْرَارِ، كَمَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ ذِكْرُ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِأَنْ يَقُولَ أُقِرُّ لَهُ بِهِ، وَهُوَ يُسْتَحَقُّ عِنْدَهُ؛ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ (وَلَا) يُعْتَبَرُ بِشَهَادَةٍ بِإِقْرَارٍ (قَوْلُهُ)؛ أَيْ: الشَّاهِدِ (طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ)؛ أَيْ: ظَاهِرِ الْحَالِ، لِأَنَّ مَنْ سِوَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ الْحَالِ (وَأَنْ يَشْهَدَ) الشَّاهِدُ (بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْحَقَّ) كَتَفْرِيطِهِ فِي أَمَانَةٍ. (أَوْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ) كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ عَمْرٍو كَذَا (ذَكَرَ الْمُوجِبَ) لِلِاسْتِحْقَاقِ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا (وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَرَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ) وَعُيُوبٍ مَرْئِيَّةٍ فِي نَحْوِ مَبِيعٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا، فَلَا يُرْجَعُ إلَى غَيْرِهِ. (وَالسَّمَاعُ ضَرْبَانِ) (الْأَوَّلُ سَمَاعٌ مِنْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَعَقْدٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِقْرَارٍ بِمَالٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَوَدٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ. (وَحُكْمِ حَاكِمٍ وَإِنْفَاذِهِ) حُكْمَ غَيْرِهِ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الشَّخْصَ (الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَ) مِنْ قَائِلٍ عَرَفَهُ يَقِينًا، كَمَا فِي الْكَافِي (سَوَاءٌ) وَقَّتَ الْحَاكِمُ بِأَنْ قَالَ حَكَمْت بِكَذَا فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ (أَوْ أَشْهَدَهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ أَوْ لَا) لِئَلَّا يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ الْغَصْبِ وَسَائِرِ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُدْوَانَ فَإِنَّ فَاعِلَهَا لَا يَشْهَدُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مُسْتَخْفِيًا حِينَ تَحَمُّلِهِ الشَّهَادَةَ، كَأَنْ يَكُونَ لِإِنْسَانٍ عَلَى آخَرَ حَقٌّ وَهُوَ يُنْكِرُهُ بِحُضُورِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَيَسْمَعُ إقْرَارَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالشُّهُودِ فِيهِ كَمَا لَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْفَاعِلُ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ (أَوْ قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ: لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ) بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، وَلَا يَمْنَعُ (لُزُومَ إقَامَتِهَا) لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ عَلِمَ مَا يَشْهَدُ بِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَدِلَّةِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي (سَمَاعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ) بِأَنْ يَشْتَهِرَ الْمَشْهُودُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَيَتَسَامَعُونَ بِهِ بِإِخْبَارِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَّا (فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ غَالِبًا بِدُونِهَا) أَيْ: الِاسْتِفَاضَةِ (كَنَسَبٍ) إجْمَاعًا، وَإِلَّا لِاسْتِحَالَةِ، مَعْرِفَتِهِ بِهِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُشَاهَدَةُ فِيهِ، وَكَوِلَادَةٍ (وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ)، إذْ الْوِلَادَةُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهَا إلَّا الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْمَوْتُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَقَدْ يَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ، وَالْمِلْكُ قَدْ يَتَقَادَمُ سَبَبُهُ. فَتَوَقُّفُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ يُؤَدِّي إلَى الْعُسْرِ خُصُوصًا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ، وَخَرَجَ بِالْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ: مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ؛ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ (وَكَعِتْقٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا عِتْقُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ (وَوَلَاءٍ كَذَلِكَ وَكَوِلَايَةٍ وَعَزْلٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا آحَادُ النَّاسِ، وَلَكِنَّ انْتِشَارَهُ فِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهُ عِنْدَ الشَّاهِدِ، بَلْ رُبَّمَا قَطَعَ بِهِ، لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَكَنِكَاحٍ) عَقْدًا وَدَوَامًا (وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ) نَصًّا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُشْرَعُ وَيَشْتَهِرُ غَالِبًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ (وَكَوَقْفٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا وَقْفُ زَيْدٍ، لِأَنَّهُ أَوْقَفَهُ (وَكَمَصْرِفِهِ)؛ أَيْ: الْوَقْفِ (وَشَرْطِهِ) قَالَ الْخِرَقِيِّ: وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ، مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَشْبَهَتْ النَّسَبَ، وَكَوْنُهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِمُشَاهَدَةِ سَبَبِهِ لَا يُنَافِي التَّعَذُّرَ غَالِبًا. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِفَاضَةٍ إلَّا) إنْ سَمِعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ (عَنْ عَدَدٍ يَقَعُ بِهِمْ)؛ أَيْ: بِخَبَرِهِمْ (الْعِلْمُ) لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ مَأْخُوذَةٌ، مِنْ فَوْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ.قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَيَكُونُ ذَلِكَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ}. (وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يُعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ وَمَنْ قَالَ شَهِدَتْ بِهَا)؛ أَيْ: الِاسْتِفَاضَةِ (فَفَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَهِيَ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْكَمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَاسْتَعَاضَ بَيْنَ النَّاسِ؛ قُبِلَتْ فِي الْوَفَاةِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا، وَفِي الْمُغْنِي شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ يَعْنِي عَنْ الشُّهُودِ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ لَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَيُكْتَفَى بِمَنْ شَهِدَ بِهَا كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ (وَذَكَرَ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، فَتَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ، وَإِذَا شَهِدَ بِالْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ، فَعَمَلُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بِذَلِكَ أَحَقُّ. انْتَهَى). كَلَامُ الْقَاضِي. (وَمَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبٍ نَحْوِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ؛ لِتَوَافُقِ الْمُقِرِّ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ سَكَتَ) الْمُقَرُّ لَهُ (جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ إقْرَارٌ، لِأَنَّ مَنْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ، فَسَكَتَ لَحِقَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالنَّسَبِ (إنْ كَذَّبَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ، لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالتَّكْذِيبِ. (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا بِيَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً كَتَصَرُّفِ مَالِكٍ مِنْ نَقْضٍ وَبِنَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ؛ فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِلَا مُنَازِعٍ دَلِيلُ صِحَّةِ الْمِلْكِ (كَمُعَايَنَةِ السَّبَبِ)؛ أَيْ: سَبَبِ الْمِلْكِ (مِنْ بَيْعٍ وَإِرْثٍ) وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْبَائِعِ وَالْمُوَرِّثِ لَيْسَ مَالِكًا (وَإِلَّا) يَرَهُ يَتَصَرَّفُ كَمَا ذُكِرَ، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ (بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا (وَهُوَ) أَيْ: كَوْنُهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ (الْوَرَعُ فِي الْأَوْلَى).
|